رسائل من الجحيم







ها هو يوم آخر من أيام الجحيم التي نعيشها .. شمس محرقة تلتهم جلودنا البيضاء ... كره عارم يسري في أوصال من يرانا ... كل شئ  - هنا - يكن لنا الكره .. كل حجر يود لو تفجر في وجوهنا ... الطيور عندما ترانا تخرس عن الغناء وتولي هاربه ... سحب السماء لاتريد - مذ  قدمنا - أن تظلنا ولو للحظة واحده ... لا أنكر أن مجيئي إلى هنا كان من أشنع أخطاء حياتي التي لم تتخطي عامها الثاني و العشرون ... لم أعتد أن أروي أو أقص أحداث حياتي ، لكنه االسبيل الوحيد للتخفيف عن معاناة أعيشها ..فلا أحد هنا يسمع الآخر... قلوبنا شتي .. أعمارنا تتفاوت ... أحلامنا هي الهرب ... أغلب أوقاتنا سكاري أو مخدرين ...
حتي المايجرونا التي لم أكن أطيق رأحتها فقدت تأثيرها المخدر ... لكنني في انتظار الخلاص..
صلي من أجلي كي اعود ..

ديفيد جونز في الخامس من ايلول 2006


***********

أكتب اليوم وانا اتحسس كفي من الفرح او فلتقولي الدهشة ، لا أعلم تحديدا، فنفسي تهيج بمشاعر متناقضة ، فاليوم وفي تمام الساعة 1630 كان من المفترض أن أتولى قيادة الهامر ولكن بعد شجار أمس على إثر غش "لوك" في لعب الورق أعلنت عن رفضي لقيادة الهامر وليقودها هو كل الطريق ، وشكرا للمسيح على ذلك فبينما نحن جلوس في الهامر إذ برصاصة قناص تخترق يد لوك عندما كان يعدل من وضع خوذته .. أووه لقد أصبح في  كفه ثقبا كثقب الباب ..في الواقع شعرت بسعادة لأنه حقير ويغش في اللعب ويسرق أموالنا بغشه هذا .. بجانب أنه يعشق الجنس بكل انواعه ..حتى إنني إكتشفت أنه ماعاد يكتفي بالمجندات بل إتجه للشذوذ مع المجندين أيضا ! سحقا له ..كم أكره الشواذ ..أنظر إلى كفي و أشكر الرب لأنه كان مكاني .. فالواقع هنا يعج بالحوادث وخاصة من  قناصو المتمردين .. ف "توم " المسكين وعشيقته ماتا معا برصاصة قناص واحدة .. وفي الرأس .. أعلم انه يصعب عليك تخيل هذا ولكنه ما حدث ، ياللخسارة الفادحة فقد إلتقى هنا بها على هذه الأرض الموحشة وعزما على الرحيل لبناء منزل بحديقة بعد أداء الخدمة وأخذ المكافأة من الجيش , وهاهم قد رحلوا عن دنيانا برصاصة لعينة لا تساوي دولارا واحدا ..ياللمفارقة الحزينة أحبا وأخلصا في حبهما ثم رحلا إلى الجنة عن هذا الجحيم فليباركك الرب ياتوم و لينقذني الرب حتى أعود إلى الوطن .. أتسائل أحيانا مالذي أفعله هنا ؟ وهل حقا ساعود ؟
كما أشتاق إليك خليلتي .. كم أشتاق إلى الرفقاء وساعات المرح .. عندم كنا نخرج إلى الغابة ونخيم هناك ونحتسي الجعة  حتى الصباح .. يالها من أيام ..على أمل العودة قريبا
حبي و إخلاصي لك دائما ..

ديفي في العاشر من أيلول 2006  

*********
إنه الجحيم .. إنه الجحيم  لا أعلم ماذا أقول هذه ثالث رسالة لي في هذا الشهر ولا سبيل لإرسالها إلا عن طريق الجيش , إعذريني حبيبتي عن تأخري ولكن البلاك هوك الخاصة بنقل الرسائل تعرضت للإسقاط على يد الإرهابيين ..نعم هذا ما حدث ..ثم إكتشفت لاحقا أنها سقطت بنيران صديقة ..!
 تبا للبلاك هوك وسحقا للنيران الصديقة فهي نفس النيران التي  مزقت ليديا الى خمسة عشر قطعة جمعتها وزملائي في كيس ..هي نفس النيران التي جعلت توني يحكي لنا كيف سقطت قذائف الهاون على معسكرهم ليلا  ليجد زميل غرفته يبكي في هسيتيرية وقد بلل سرواله  عندما سقطت القذيفة بجانبه ولم تنفجر وقتها ولكنها انفجرت لاحقا أثناء محاولات إبطالها من قوات الجيش المحلي الأغبياء ، أو تدرين كم كنت أتمنى ان اتصل بالانترنت كي أرسل لك هذه الرسائل .. لكنهم يمنعوه عنا لأن أربعة من المارينز  إغتصبوا فتاة وباعوا التسجيل  لموقعهم الجنسي المفضل ..
عليهم اللعنة لو رأيتهم كيف يفرون عند المواجهة ..جبناء ونحن من نتحمل تبعات مثل هذه التصرفات الغبية لقد أخبرني أحدهم أن إمرأة قطعت عنق احدهم بأسنانها عندما حاول ان يغتصبها  وكيف  أن زميله أطلق الرصاص من شدة الرعب و لكن أطلقه عليها وعلى زملائه ثم قتل نفسه !
 
لا تتعجبين فمثل هذه الأشياء ليست غريبة في الجحيم ..  لا اعلم مالذي اصاب الجنود اشعر أنهم بعيدون عن أحاسيس البشر ولا عجب فمعظمهم من ارباب ال الجرائم ومروجوا المخدرات ..
أحيانا أبكي في المرحاض أو عندما أنام أو عندما اجد نفسي بعيدا عن الرفاق .. أشعر أن في قلبي وحشة .. أشعر أنني في المكان الخطأ .. مازلت أتسائل لم انا هنا ؟ .. لو استطعت أن أفدي بمالي نفسي من هذا الجحيم لفعلت  .. نحن في سجن في قاع الجحيم يقتل زبانيته يوميا أحدنا .. لا أريد ان احزنك ولكني لا أجد سواك كي أبثه همي  .. صلي من أجلي دوما .شوقي وعظيم حبي ..
ديفيد جونز في الخامس عشر من أيلول 2006

*********
 أكتب اليوم وقلبي لا يتوقف عن النحيب و الرجفه ... لا أدرك الزمن .. يكاد وجهي ان يحترق من سخونه أدمعي الحمقاء ... ما فعلت اليوم لن أنساه ما حييت ... ما ارتكبته يدي لن يمر بخير ... كيف بك عندما يتملكك الهلع .. ويتمكن الرعب من نبض قلبك ؟؟... كيف بك اذا كان كل ما تسمع هو وفاة زميل .. او جمع أشلاء آخر ... وكيف بك و انت تري زميلتك الحسناء بلا رأس؟؟؟
أنا لا اختلق الأعذار .. لكنها ما دفعني الي فعلتي الرعناء ... فقد تردد كثيرا أنهم يحملونها ... لا يهابون الموت .. هم سواء في الإقبال عليه ..نساء كانوا أو أطفال أو شيوخ أو شباب مراهقين .. ذلك فضلا عن الرجال ....فهم لا يتورعون عن تفجير  أنفسهم و قتلنا معهم ..عندما هوت القذائف و تعالى الصراخ .. وتساقط الجنود .. رأيتها تجري ... ممسكة بلفافة زرقاء ... كانت كما لو أنها قد نبتت من الأرض ... الخوف الأسود قد ارتسم علي ملامحها الصغيرة الجميلة .... البراءة في حدقات عيناها... كيف لم أري كل ذلك ... كيف فقدت شعوري وإحساسي الذي طالما وصفت بانني اتميز به عن سواي ...
كيف ... كيف ... كيف .. صوت صرختها يتردد في اذني ... نظراتها تكاد تقطع نياط قلبي ....  أوتدرين ما كان باللفافة ؟ لقد كان بها قطع من الخبز الجاف ..
كم أتمني أن أعود الي كوخي الجميل علي الساحل ... كما أتمني لو أقطع كل ما رأيت و سمعت هنا من شريط ذكراياتي ... كم أشتاق إليك خليلتي ... كما اود ان أنسى ... أختفي .. أتلاشى من الوجود ...
ديفيد جونز

*************

إنها تطاردني في كل مكان اذهب اليه ... إنها تمعن في تعذيبي .. لا تكف عن البكاء طوال الليل ... لا تكف عن جذب ملابسي ... لا تكف عن الموت أمامي ... أتوسل إليها كل يوم .. فلا تسمعني .. لا تكتفي الا بالبكاء .. و الصراخ و العويل .. ثم الموت ...أكتب هذه الرساله و قد عزمت أمري .. أكتبها لكل من فكر بأن يخلفني .. او يأتي إلي هنا ...أكتب رسالتي وهي بجواري .. تمسك يدي .. ولأول مرة أرى السعادة بعينها .. لأول مرة أراها تضحك ... هل قد علمت بما أنا مقدم عليه ... . الآن تتعاكس إراداتي .. و تتكسر أمنياتي العريضة و حياتي السوداء .. اللعنة علي ذاك الشعور ... فلتلعنني السماء والارض ... لم أعد أطيق ذلك ...حتي سلاحي لم اجرؤ علي إستعماله لآخر مرة .. لذلك سأستعيض عنه بحبل ثخين ...إنها لا تكاد تصبر حتي تري نهايتي ... وأنا لم أعد أتحمل ذلك الضغط الهائل من نظرات عينيها ..أنا ديفيد جونز ... برتبه رقيب في قوات المارينز ... قد أعددت نهايتي بنفسي، وكتبت رسالتي الأخيرة لعلها أن تصل إليكم .... لا تبعثوا بأبنائكم الي العراق فهنا الجحيم بعينه ..
..
ديفيد جونز ... آخر لحظات حياته اللعينه
***********

تأملت جثته المعلقه في مروحة السقف.. ونظراته الخائفة ...حتي قطعت تأملاتي بسؤالها ..
-
سيدي هل نبلغ الإدارة العليا بسبب الوفاة ؟
أجبتها بأن لا داعي وليكن الأمر حادث عرضي .. فنشر أمر كهذا سيدمر معنويات جنودنا المدمرة من الأصل ..
-
والرسائل هل نرسلها لصديقته
قومي بحرقها ..تقبلت ردي بامتعاض .. ثم ولت ذاهبه .... أعدت قراءة الرسائل الخاصه بالرقيب "ديفيد" .. واستغرقت في كلماتها ولم أفق إلا علي بكاء طفل صغير مهشمه رأسه ... تحمله امرأة تغطي الدماء رأسها ...كلاهما يبغي الانتقام ... كلاهما يبغي إرسالي إلى الجحيم....
....
وانتهت كلماتي


0 comments:

Post a Comment


عن كلماتي المنتهية

لَا أَزْعُم الْبَرَاعَة الْأَدَبِيْة ، وَلَا الْدُّرْبَة الْلُّغَوِيَّة ، وَلَا الْمَوْهِبَة الْفَذَّة ... لَكِنَّنِي أَنْزِف كَلِمَات إِنْتَهَى فُؤَادِي مِن بَثَّهَا قَبْل أَن تُفْرِغ أَنَامِلِي مَن خَطَّهَا هَاهُنَا ... كَلِمَات تَخْتَص بِكُل هُم يُجَيِّش فِي نَفْسِي ، وَكُل كُرَب يُخَيِّم عَلَى أُمَّتِي، وَكُل بَارِقَة أَمَل تَتَخَلَّل عَتَامَة الْوَاقِع كَي تُنْيْر لَنَا الْطَّرِيْق .. كَلِمَات أَسْأَل الْلَّه أَن يَكْتُب لَهَا الْقَبُوْل وَيَجْعَلُهَا لَنَا لَا عَلَيْنَا ... فَرُبَّمَا نَفْنَى وَتَفْنَى مَعَنَا الْكَلِمَات ، وَرُبَّمَا يَبْقَى لَهَا أَثَر .. لَكِن الْشَّاهِد لَنَا أَنَّهَا سَتَنْتَهِي مُهِمَّا طَال بِهَا الْأَمَد ... مُرَحِّبا بِمَن يَقْرَأُنِي حَيْثُمَا كَان .. وانتهت كلماتي

شاركهم الكلمات إن أعجبتك !

ShareThis

بعض من أحبوا المكوث هنا