رحلتي والأمل .. القصة الحائزة على المركز الأول في مسابقة لنصرة النبي



لو كانت ترقي أن تهدى ... لهديتها له ...







رحلتي والأمل ..



تتسارع نبضات قلبي .. وحق لها ذلك .. فما سمعت اليوم وما رأت عيني لهو شيء 


شنيع ...

 

بالكاد أتفادى المارين في الطرقات .. بالكاد تتحملني ذرات الرمال في خطوي عليها .. 
يجب إن أحدث أمرا .. يجب ألا اصمت ...

مئات الأفكار تقاذفت في عقلي ... ألوف المشاهد و الكلمات تموجت في ذهني ... لكن 


سؤالا في شكل رمح أصاب لب فكري ...

- " ماذا لو كانوا علي الصواب وكنتُ أنا علي الخطأ...؟!"..



كل شيء ينبئ بذلك فها هي الحياة سائرة بلا كدر .. وهاهم قومي في دعتهم و عيشهم


لا يأبهون ..

يا الله !! ..

.. ما هذا الهدوء الذي يغلفهم .. أتراهم علي الصواب ... أم تكون قناعاتي و أفكاري 


هي الخطأ؟؟

عدوا قطعت بحر الطريق و علي الدرج قذفني غضبي وحملتني أقدامي إلي حيث اقطن ... 

إلي ذلك الباب .. أم تراه وهما هو الأخر؟!! ..

دلفت إلي داخل شقتي .. لم أعر ابتسامة زوجتي الحسناء بالا ... ولم ألتفت إلي ذلك 


الصغير ذي الأربعة أعوام اللاهي بين ألعابه ..

ما من سبيل للتأكد إلا عبر السفر بالزمن .. وسبر أغوار التاريخ و معرفة الحق .. 


هكذا حدثتني نفسي .. واحمد الله أنني من القلائل في هذا العالم الذين يجيدون السفر ..

من القلائل الذين يعلمون متي يتوقفون في تلك الحقبة ..متي يمكثون .. وأي الأزمنة 

يبغون ..

سريعا دخلت إلي مكتبي ... سريعا أزاحت راحتي - اللهفى - الأتربة عن وسيلتي .. 


سريعا راجعت القواعد ..

حيادية ... 


ضبط نفس ...


اترك ما سمعت وما اقتنعت و دع عيناك تخبرك الحقيقة ...


لا تأسف علي الألم ولا تبالغ بالفرح فليس في يديك المكوث ولا تغيير الأحداث ..

لكم أراحتني تلك القواعد .. ولكم آلمتني أيضا .. 


تأكدت من غلق النوافذ .. و الستائر .. فانا لا أريد أي سبب يزعجني في رحلتي .. 



تخيرت ركن الغرفة .. لطالما سافرت منه الساعات و الأيام و الشهور بل و الدهور 


كاملة ...

سميت بالله وبدأت ...

ها هي الكلمات تحيط بي .. الأنجم تتلألأ .. الليل و النهار يتعاقبان في سرعة خرافية 


... برق ورعد .. ضحكات و بكاء .. كره وحب ...

وجدت نفسي في نهاية المطاف واقفا تحت سياط من لهيب الشمس ... يتصبب العرق


مني برغم إنني لم اصل إلا من ثوان معدودة ...!

أذاك الصوت البعيد صوته ؟؟؟ .. تساءلت في حيرة و مزيج عجيب من الفضول و 


الشوق...

جريت لأراه شامخا مهيبا جميلا صادعا بالحق ... وحوله الناس ينظرون .. مابين 


مبهور و حاقد ..

يتقدم احدهم .. قد تمعر وجهه غضبا و سخطا و حقدا .. يتفوه ببضع كلمات مشيحا 


بيديه ثم يولي هازئا ...

التفت إلي صاحب الصوت - صاحب المقام - فإذا مسحة من حزن مشوبة بتصميم 


وإرادة قد علت وجهه ..

- "ماذا تنتظر..؟؟ " ..

كذلك حدثتني نفسي .. فلأذهب وأسأله .. خطوت الأولى .. ثم الثانية من خطواتي .. 


لأرى الأرض غير الأرض .. والسماء غير السماء ..

دُهشت من جمال ذلك الطقس ..


كم هي جميلة جذوع النخيل المتعانقة في خجل .. 


وأولئك الصبية الصغار ..كم هي مريحة قسماتهم.. بريئة نفوسهم .. 


طاهرة سرائرهم ..

- "وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته " ...

قالوها في صوت واحد ضاحكين .. يتدافعون لكي يسلموا علي صاحب التحية ..

يا لله..

 
انه هو ..باسم ثغره جميل محياه .. تأمل قلبي نسمات رحمته في مسحه لرأس ذاك .. 



وحمله لذلك .. ومداعبته لهذا ..

كم تمنت نفسي لو كنت أحد أولئك الصبية الصغار , كي يحملني بين ذراعيه , كي 


يعطيني بضع تمرات بيديه.. 

كم تمنيت لو عاد بي الزمان للوراء .. كم وكم و كم .. لكنها كانت محض أمنيات بقلبي


تستعر , لذلك لن أحاول الاقتراب , فأنا اعرف أنني لن أستطيع أن أحادثه ..



اكتفيت بالنظر متحسرا حزينا ومتيقنا من كون ما قيل هو محض افتراء ..

التفتّ إلي يميني لأقي عيني من تناثرات الرمال علي وجهي ..وما أن هدأت بعثرات 


الريح من ثورتها , حتى رأيت القوم كأن على رؤوسهم الطير ..

بعضهم قد أجهش في البكاء .. والأخر قد أخرسه الذهول .. 


أحدهم قد استشاط غضبا..

لا أخفي كم تأثري برؤيته كاشفا بطنه .. راضيا بما قضى , لكنني صعقت من ذاك 


الرجل المتقدم في سيره .. قد احكم قبضته علي العصا .. ما تقدم خطوة إلا وزاد 

بكاؤهم ..ما تقدم خطوة إلا وانهمرت دموعي ..

- "فليدعني احدهم امسك به .. دعوني وأنا كفيل بمنعه عنه "...


قلتها في أسي لكنني تذكرت أن القواعد هي القواعد ..

(لا سبيل لتغيير الأحداث) ..

اختلج قلبي من الألم و بللت دمعاتي العاجزة الثري , و أشحت بوجهي فقلبي لن يحتمل


أن يرى ذاك المنظر .. القائد العظيم و الفارس المغوار و الشهم النبيل يُضرب من احد

الجنود ... لن احتمل أن أرى من في مقامه يهان ..

وليت عن هذا الموقف هاربا .. تجابهني الرياح .. تفتت قطرات أدمعي في الهواء 


رذاذا هائما .. أحاول الهرب وهي تثنيني عنه وكما لو كانت تريد مني أن أعود مرة 

أخرى ..حتى خطواتي تدافعت للوراء .. إلى حيث الموقف العظيم والخطب الجلل ..

رجعت لأرى ذلك الجندي قد أذابت الدموع حدته وإصراره السابق علي القصاص ..


رجعت لأسمعه يقول : "جسمي لجسمك فداء " ..

يقولها ويبكي و يُبكي من حوله الناس ..


تجرعت مرارتي .. وأن أتذكر أوصافهم اللعينة .. ومقالاتهم المشينة .

.
آه لو علموا عدله .. آه لو علموا حلمه ..


لكن الحقد لا شك يعمي القلوب التي في الصدور ..

لم أفق من شجني إلا علي صوت الصلاة في داخل ذاك المسجد الصغير .. أفقت لأرى


أناس في صلاتهم خاشعون .. إمامهم رجل رقيق .. شيخ طيب القسمات .. وأنى لمثله

ألا يكون كذلك ..

أخذت أتأمل صلاتهم حتى قطعت تلك التأملات حركه خفيفة من خلف ستر مرخي ..

يا الله ..

انه هو .. يا ترى ما سر هذا الإرهاق البادي علي وجهه؟؟ ..

سارعت نحوه .. وددت أن أطمئن علي تمام صحته .. لكنه كان قد أرخي الستر مرة


أخري .. أرخاه وقد بدت أنوار الرضا تشع من وجهه ..

في هدوء ولجت الستر لأري أمامي الشيخ صاحب القسمات الطيبة .. مستندا إلي جدار 


..باكية عينه .. قد ألبسه الحزن جلبابه الأسود ..

وفي الطرقات رأيت أقوام مثله .. احدهم قد أسند رأسه إلي حائط ترعد أوصاله من 


النشيج ..
احدهم لم تقو أقدامه علي حمله ..
 

فزع قلبي ..

- ماذا حدث؟ .. ما الخطب ؟..

جريت يمنة ويسرة عل احدهم يخبرني أن ما يجول بخلدي لهو مجرد نزغات شيطان ...

- "أين داره ..؟؟ , فليخبرني أحدكم .."

هكذا صرخت كلماتي .. هكذا تساءلت نفسي متغاضية عما لا تحب أن تصدقه ..

مالهم لا يعون ما أقول .. بالله عليكم أجيبوني .. بالله عليكم طمئنوني ..

ولكن لا حياة لمن تنادي كلنا كنا سواء .. رجالا و نساء .. أحجارا و نخيلا ... كلنا 


نضج بالحزن .. كلنا باحت عيناه بالألم ...

مزق ذلك السكون الباكي صوت جوهري .. هرعت إليه لأري فارسا عظيم الجسم .. 


غاضبة ملامحه .. مفجوع قلبه .. قد اشهر سيفه يتوعد الناس ...

- "من كان يعبد محمد ...

صدع الشيخ الأسيف بها .. جريت نحوه .. بالله لا تكملها .. أيها الشيخ بالله لا تكملها .


. أرجوك لا أقوى علي سماعها .. أرجوك لا تصعق فؤادي ..
 

جثوت علي الأرض .. تعلقت بثوبه لكنه لم يلتفت وأكمل ..

... فإن محمدا قد مات " ..

قالها وكأن قلبي توقف .. قالها لتتتابع من حولي الأكوان .. قالها لأرى الشمس في 


عليائها تخبو .. والقمر لا يرضيه إلا وجه المحاق ..

قالها وأظلمت من فوقي السماء .. وغارت في غياهب الغموض الأرض ..

...

أغلقت الكتاب وقد ذابت صفحاته من دموعي .. ونطق لساني حزينا ..

- "طبت حيا وميتا يا رسول الله "


نطق بها وقد أدركت مدي افترائهم وحقدهم ... أدركت كم كانوا يكذبون .. أدركت كم


كنت مفرطا .. كم كنت منهزما حينما سمحت لأمثالهم أن يقولوا كذباتهم الخسيسة ،

وأن يصورا رسومهم الملعونة.

ناديت علي صغيري .. وقبلت رأسه .. وقد عزمت أن أصحبه معي في رحلاتي 


القادمة إلي نفس الحقب .. سأصحب كل الكون معي ..كل من اعرف ومن لا اعرف

وإن رفضوا صحبتي , فأنا كفيل بجلب ما رأيت إليهم ..


- " أبي ما هذا ؟ "


قالها ابني - محمد - في براءة ..

أجبته : "هذا التاريخ يا بني .. فلتبحر فيه .. وهذا المستقبل الذي تصنعه فلا تتأخر عنه ..
فأنت الأمل الوحيد في صناعته .. 


أنت الأمل الوحيد..

في الذب عنه ..
.
.
عن نبيك محمد.. "صلي الله عليه وسلم ".





وانتهت كلماتي







0 comments:

Post a Comment


عن كلماتي المنتهية

لَا أَزْعُم الْبَرَاعَة الْأَدَبِيْة ، وَلَا الْدُّرْبَة الْلُّغَوِيَّة ، وَلَا الْمَوْهِبَة الْفَذَّة ... لَكِنَّنِي أَنْزِف كَلِمَات إِنْتَهَى فُؤَادِي مِن بَثَّهَا قَبْل أَن تُفْرِغ أَنَامِلِي مَن خَطَّهَا هَاهُنَا ... كَلِمَات تَخْتَص بِكُل هُم يُجَيِّش فِي نَفْسِي ، وَكُل كُرَب يُخَيِّم عَلَى أُمَّتِي، وَكُل بَارِقَة أَمَل تَتَخَلَّل عَتَامَة الْوَاقِع كَي تُنْيْر لَنَا الْطَّرِيْق .. كَلِمَات أَسْأَل الْلَّه أَن يَكْتُب لَهَا الْقَبُوْل وَيَجْعَلُهَا لَنَا لَا عَلَيْنَا ... فَرُبَّمَا نَفْنَى وَتَفْنَى مَعَنَا الْكَلِمَات ، وَرُبَّمَا يَبْقَى لَهَا أَثَر .. لَكِن الْشَّاهِد لَنَا أَنَّهَا سَتَنْتَهِي مُهِمَّا طَال بِهَا الْأَمَد ... مُرَحِّبا بِمَن يَقْرَأُنِي حَيْثُمَا كَان .. وانتهت كلماتي

شاركهم الكلمات إن أعجبتك !

ShareThis

بعض من أحبوا المكوث هنا